في الـ10 مايو الجاري (2023)، حلق السفير السعودي في الأجواء اليمنية مطلقا تصريحات تفضي مجملها إلى تخلي السعودية عن "اليمن الشرعية". وأتت التصريحات بعد زيارة آل جابر لعدن، عدها البعض تمويه على إعلان الانتقالي تمسكه بمشروع الإنفصال، بينما رأي فيها آخرون تأكيد سعودي على دعم رئيس القيادة رشاد العليمي. 

فعلى متن رحلة العودة إلى المملكة، بدا السفير السعودي في حواره مع وكالة فرانس برس، محبطا من نجاح جهود التهدئة في الوقت الراهن. حيث قال لا شيء واضح حتى الآن. محملا الفشل على الأطراف المحلية، التي اتهمها بأنها لا ترغب في الجلوس على طاولة واحدة.  ومع ذلك حاول آل جابر تقمص دور الأمم المتحدة، حيث أبدى تفاؤله بأن ينجح اليمنيون في الوصول إلى اتفاق بشأن بلدهم. 

حديث السفير السعودي عن غموض مستقبل التسوية اليمنية، ثم أمله بنجاحها عبر الأطراف اليمنية. يبعث رسائل عدة، كلها تشير إلى أن المملكة تخلت عن كونها حليفا لما يعرف بـالشرعية اليمنية. وهو ما أوضحه آل جابر في إجابة أخرى؛ حيث قال إن بلاده ليست طرفا في الحرب، بل وسيطا بين الأطراف المتنازعة. 

لغة السفير السعودي واضحة، مفادها نحن لم نعد حلفاء، هذه مشكلتكم من الآن. ومع ذلك يحاول اليمنيون المتشيعون للمملكة تأويل التصريحات السعودية، في سياق بعيد عن المسار السعودي المعلن تجاه اليمن. 

رغبة السعودية بالتحول من دور الحليف إلى الوسيط لم يبدأ الآن، بل بشكل مبكر؛ تحديدا في (مارس 2021)، عندما عرضت الرياض مبادرة أحادية على الحوثيين، تتضمن تنفيذا لبنود اتفاق استوكهولم، المتعلق بميناء الحديدة ومطار صنعاء. 

إلا أن التنفيذ العملي لسياسة التحول من الحليف إلى الوسيط، بدأ في (أبريل 2022) مع الإطاحة بشرعية الرئيس هادي وتشكيل مجلس قيادة برئاسة رشاد العليمي. وهو المجلس الذي نشأ بالتزامن مع مبادرة تهدئة أممية هندستها واشنطن، تضمنت هدنة طويلة الأمد. 

مثلت عملية الإطاحة بـهادي، انقلابا سعوديا سلميا على الشرعية اليمنية، لتصبح المملكة هي مصدر شرعية القيادة اليمنية الحاكمة، والتي تتكون من كيانات عسكرية غير متجانسة بينها كيان يمثل الانفصال، ومطلوب من تلك الكيانات رمزيا تمثيل الجمهورية اليمنية. 

  لقد حدثت عملية تغيير في بنية القيادة اليمنية، من أجل تحقيق رغبة المملكة  برسم طريق أقل تكلفة، للخروج مما أضحى يعرف بـمستنقع اليمن. وهو الطريق الذي يعني تخلي الرياض عن تعهدها باستعادة مؤسسات الدولة من مليشيا الحوثي. ليكون البديل هو التفاوض معها ولو على حساب سيادة اليمن واستقلاله. 

من أجل ذلك، مدت الرياض يد السلام لطهران؛ حلفاء الحوثيين، عبر اتفاق بكين الذي تم بين السعودية وإيران. وأفضى إلى زيارة السفير السعودي آل جابر لصنعاء، عاقدا مفاوضات مع الحوثيين، لم تعلن تفاصيله. إلا أن خلاصته تظهر رغبة المملكة في أن يقبل الحوثيين بها كوسيط بينهم والحكومة. 

حتى اللحظة لم تنجح الجهود السعودية في إقناع الحوثيين بالقبول بها كوسيط، ويصرون على كونها طرفا في الأزمة. ويأتي رفضهم رغم استفادتهم من التنازلات السعودية بشكل كبير. حيث حصلوا على إمتيازات واسعة من فتح مطار صنعاء وتشغيل ميناء الحديدة. 

هل تنجح السعودية في تمثيل دور الوسيط في الأزمة اليمنية؟ هذا أمر مشكوك به حاليا، حيث لم يعترف بهذا الدور سوى رئيس القيادة العليمي. كما أن المؤشرات الحالية تقول بأن المملكة ستفشل في لعب دور الوسبط. فالحوثيين لديهم حليف صادق وقوي، بينما لدى خصومهم حليف غامض ومتردد وغادر. 

يمكن التذكير بأن السعودية التي اخترقت السماء اليمنية في (مارس 2015) لتعلن عن عاصفة حرب ضد 

الحوثيين بهدف إنقاذ اليمن، هاهي اليمن تعلن من السماء ذاتها؛ عبر سفيرها، عاصفة التخلي عن اليمن، بعد أن دعمت تشطيره؛ بمعية الإمارات، إلى مناطق جغرافية. 

  فمن الأجواء اليمنية أطلقت السعودية وعدها بالحرب من أجل الدفاع عن وحدة اليمن، ومنها أعلنت انسحابها لتلعب دور الوسيط.. في ظل شكوك بفشلها.. فمن لم ينجح في إدارة المعارك لن يفوز على طاولة المفاوضات، تلك معطيات السياسة ووقائعها.