شدد المسؤول الصحي أنه "يجب دائمًا حماية الرعاية الصحية بموجب القانون الإنساني الدولي".
محمد اللطيفي
ابتدأت الأزمة اليمنية في (أبريل 2011) مع نشوء المبادرة الخليجية، حيث أضحت سيادة اليمن منذ توقيعها رهينة السعودية والإمارات. وأدت المبادرة إلى دخول اليمن نفق التدخلات الدولية، فيما سحمت باعتماد سياسة التعامل مع المليشيات ككيانات شبه سياسية، والتغاضي مع الانقلابات التي تنفذها، والتعاطي معها كسلطات أمر واقع.
هذا ما حدث منذ انقلاب (سبتمبر 2014) الذي تم بالتحالف مع علي صالح، وبتنسيق من طهران، وتواطؤ من دول خليجية وصمت دولي مريب. واكتفت المواقف الدولية حينها بالإدانة ثم نسج مبادرة أممية عرفت باتفاق السلام والشراكة، والتي أضفت الشرعية على انقلاب الحوثي وصالح.
من الناحية النظرية والقانونية، صاغت الدول المنضوية في إطار مجلس الأمن مصفوفة قوانين أضحت فيما بعد مرجعيات للحل في اليمن. ظاهر تلك القوانين منصفة للقضية اليمنية، حيث عرّفتها كصراع بين شرعية ومتمردين، وفرضت عقوبات على المنفذين لانقلاب سبتمبر؛ قيادات حوثية وأخرى تابعة لنظام صالح. كما أن من إيجابيات قوانين مجلس الأمن هو استمرار تأكيدها على وحدة اليمن وسلامة أراضيه.
لكن المفارقة، أن معظم المواقف الدولية ظلت متعارضة مع قوانين مجلس الأمن. فكلها دعمت مبادرات أممية وتسويات دولية تدلل مليشيات الحوثي وتعترف به كسلطة أمر واقع وتمنحه الكثير من المزايا. فضلا عن أن العواصم العالمية تغاضت عن الانتهاكات التي تقوم بها السعودية والإمارات في اليمن، والتي دعمت تشكيلات عسكرية مناطقية، ورعت انقلابات نفذتها تلك التشكيلات في عدن وسقطرى ومدن جنوبية أخري، بالإضافة إلى سيطرة تشكيلات عسكرية على مناطق الغرب من اليمن.
بعد سنوات أدت المواقف الدولية غير المتوازنة، إلى بقاء سلطة المليشيا الحوثية قوية في أغلب مناطق الشمال، مع حصولها على اعتراف ضمني بالإشراف على مطار صنعاء وميناء الحديدة. كما سمحت الجهود الدولية بتحويل الشرعية اليمنية إلى غطاء للتشكيلات غير النظامية التابعة للتحالف السعودي الإماراتي، حيث انضوت كلها تحت لافتة "مجلس القيادة الرئاسي"، الذي تأسس في (أبريل 2022).
كل تلك المبادرات والصفقات تمت تحت مبرر إيقاف الحرب واستعادة السلام، وأضحت اليمن عمليا مقسمة إلى شبه دويلات تتحكم بها مليشيات تابعة لإيران وأخرى للسعودية والإمارات، بينما يقف الجيش الشرعي محاصرا في مأرب وتعز، بعد أن تم طرده من شبوة وأبين.
ومع أن أغلب تلك المواقف الدولية صبت نتائجها لصالح المليشيات شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، إلا أن تلك المليشيات لا تبدو سعيدة من تلك النتائج، إنها تريد المزيد، تريد اعترافا ضمنيا واضحا بشرعية سلطاتها غير الدستورية.
يمكن النظر إلى التصريحات الصادرة من قبل مليشيا الحوثي والمجلس الانتقالي، التي اتفقت على رفض بيان الإتحاد الأوربي الصادر في (ديسمبر 2022)، لفهم حكاية الجهود الدولية. فالبيان الأوربي ورغم أنه لم يستجب لمطلب الحكومة في تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، إلا أن الحوثيين أبدو استيائهم من البيان الأوربي لأنه وصف هجماتهم على الموانئ النفطية بالإرهابية.
كما أن الانتقالي الذي وافق المجتمع الدولي على الاعتراف به كسلطة شرعية تمثل اليمن، من خلال عضويته في مجلس القيادة الرئاسي، إلا أن الانتقالي ظهر أيضا مستاء من بيان الاتحاد الأوربي لأنه أكد على ضرورة "وحدة مجلس القيادة". فالانتقالي اعتبر استخدام الاوربيين لمفردة "وحدة" في إطار دعم المجلس الرئاسي، على أنه موقف أوربي ضدهم، وضد مشروع الانفصال المستقبلي الذي يتبنونه.
لقد وصلنا إلى هذه المرحلة العجيبة في اليمن، فلم تعد الكيانات غير الشرعية تقبل بمواقف ضبابية من تمرداتها وانقلابها، بل تريد اعترافا واضحا بمشاريعها العبثية في سيادة واستقلال اليمن. الحوثي يريد اعترافا واضحا بمليشياته من خلال السماح بدفع رواتب مقاتليه، بينما يطلب الانتقالي من العواصم الدولية عدم الحديث عن وحدة اليمن أو حتى وحدة المجلس، لأنه ذلك يعد مؤامرة على تطلعات ما يسميه "الشعب الجنوبي.
نحن أمام أسوأ لحظة تعيشها اليمن، حيث يشرف على إدارتها مجلس رئاسي، هو في الأساس خلق مجزأ ومقسما، وتضم خارطته كيانات عسكرية متناقضة الولاءات ومتعددة الانتماءات. ورغم أن هذا المجلس غير المتجانس يمثل الجمهورية اليمنية إلا أن أهم كيان فيه يطالب بالانفصال، ويعمل متعمدا على عرقلة أي مسار موِحد للمجلس.
ومع ذلك مطلوب من ذلك المجلس التوحد لمواجهة ما يردده اعلام القيادة المشروع الإيراني في اليمن؛ أي مليشيا الحوثي، المليشيا التي كلف المجلس الرئاسي المجزأ بالتفاوض معه حول تسوية سياسية قادمة تفضي لسلام مستدام في اليمن.. السلام الذي يبدو مجر غطاء للعبث الدولي باليمن تحت قصة بناء الهدنة وحكاية استعادتها.
أشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي "يمسح البشر والحجر والشجر امام سمع العالم وبصره دون ان يحرك ساكنا لوقف محرقة غزة".
لم تتزحزح الولايات المتحدة عن موقفها المؤيد للحرب واستمرارها، مع رفض إدانة جرائم الحرب المرتَكبة ضد المدنيين