أرادت مليشيا الحوثي أمرا وأراد الشعب أمرا آخر، وإرادة الشعوب تنتصر في النهاية، وإن بدا أنها ليست كذلك، أتحدث هنا عن فرض مليشيا الحوثي عيدها على المواطنين الواقعين تحت سلطتها الجبرية، عيدا بمزاجها الطائفي وتدينها غير السوي وعقليتها الهمجية، لقد تناست هذه المليشيا أن هؤلاء المواطنون لا يمكن لهم أن يكونوا مثلها؛ طائفيون وهمجيون، هم يمنيون وعرب لا ايرانيون، هم مسلمون لله وعلى دينه لا على دين فارس.
لقد أورث جنون العظمة الحوثي العمى السياسي، الذي جعلها تعتقد أن الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي منحتها فرص البقاء في بعض مناطق اليمن، هي نفسها من ستجعلها تتحكم بمعتقدات الناس ومناسباتهم الدينية، متناسية أن هذه المناسبات ليست مجرد طقوس دينية فقط، بل أضحت اجتماعية لها ارتباط بوجدانهم الديني وتاريخهم الوطني.
الأمر لم يعد متعلق بمسألة اختلاف الدول العربية الدائم في مسألة ثبوت رؤية الأهلة، فهذا الاختلاف رغم كونه دلالة تخلف سياسي وليس فقط تديني، إلا أن يتقبلون الانقسام الديني الحاصل بين الدول كونها في النهاية دول قطرية، لكنهم لا يتقبلون ذلك الانقسام داخل بلدانهم كونه مقدمة للانقسام المجتمعي الذي يمثل مقدمة الاحتراب الاهلي.
لهذا لم يتقبل الناس في مناطق سيطرة الحوثي، مغامرته السياسية في اعلان عيد خاص يميزهم عن إخوانهم في بقية مناطق اليمن، وقرر أغلبهم قضاء العيد يوم الثلاثاء (4 يونيو) كأول أيام شوال، وتحدى بعضهم سلطة الحوثي وأقاموا صلاة العيد في بعض المساجد والشوراع، وهو ما جعله يصاب بالهستيريا التي جعلته يصدر تعميما يعتبر المخالفين له موالين للعدوان، وقد أفادت الأنباء الواردة من صنعاء وإب بانتشار الدوريات الحوثية في الشوارع ومنعها تأدية صلاة العيد، ووصل الأمر إلى اعتقال بعض الشباب الذين أرادوا ممارسة أبسط حقوقهم.
وبقدر ما عبر تخصيص الحوثي يوم الاربعاء (5 يونيو) كأول أيام العيد، عن غباء سياسي منقطع النظير، كونه سلطة مليشاوية لا تحظى بأي اعتراف حقيقي، بقدر ما أفصح عن وعي سياسي لليمنيين عندما قرروا قضاء طقوس العيد رغما عن إرادة المليشيا، كما أن الحوثي بهذا الفعل الشنيع أبان عن نيته الطائفية بفرض عيد يتماهى مع ايران، إلا أن المواطنين في إطار سلطته باصرارهم الفرح بالعيد، أرسلوا رسالة سياسية مهمة بأنهم لا يؤمنون بسلطته الطائفية بل بسلطة الشرعية رغم ضعفها وعثراتها وسلبياتها.
لقد ظهر الحوثي عاريا من كل شيء، سقط قناعه الأخير، لا توجد سلطة ما شرعية وغير شرعية، تمارس كل هذا القبح، تمنع الناس عن البهجة، وتفرض عليهم الإمساك عن الفرحة، وتعتقل الناس بتهمة لبس الثياب الجديدة، وممارسة طقوس الفرح، إلا مليشيا الحوثي، ولا يوجد نظير مساو لها إلا طالبان وتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيمات الإرهاب الإيرانية.
لقد فضح عيد الفطر تماما ما تبقى من عور الحوثي، وإذا كان قد قرر استخدام العيد كلعبة سياسية في مزاده الطائفي، فاليمنيون قرروا جعل العيد يوما وطنيا لرفض سلطته، ورصيدا يضاف إلى سجل سيئات الحوثي التي لا تبدأ بالانقلاب على السياسة والسلطة، ولا تنتهي بالانقلاب على مناسبات المواطنين الدينية والاجتماعية.