لا يتوقف الغضب الإماراتي من مفاوضات السعودية مع الحوثيين
محمد اللطيفي
مساء الثلاثاء (19 مايو 2020)، حطت رحال عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي في رحاب المملكة السعودية، برفقة قيادات أخرى؛ أهمها عبدالرحمن شيخ، والذي يعد المرجع المهم في الانتقالي والرجل الفعلي لابوظبي، وكان من اللافت أن الزبيدي ورجاله، أتوا إلى الرياض من أبوظبي، وليس من عدن، التي تقع تحت سيطرتهم، وتصنف حاليا كمدينة منكوبة وموبوءة.
وصول رجال الإمارات إلى السعودية، أتى بحسب المعلن عنه، تلبية لدعوة وجهتها السعودية، ضمن سياق الجهود التي تبذلها المملكة لاحتواء التمرد الأخير، الذي تم أواخر أبريل الماضي، لكن تفاصيل الأحداث المتتالية في عدن والمناطق الجنوبية، تشير إلى محاولة المملكة رد الاعتبار لسمعتها الدولية، التي اقترنت بكونها فاشلة في فرض تنفيذ بنود اتفاق الرياض الموقع في نوفمبر 2019، وهي الأحداث التي بدأت بإعلان المجلس الانتقالي ما سماها بالادارة الذاتية وحالة الطوارئ العامة، وانتهت برفضه طلبا سعوديا باعادة الزوارق البحرية التي نهبها الانتقالي، بالتزامن مع الاعتداء الذي تم على سفينة أجنبية قرب سواحل المكلا.
عدم تراجع الانتقالي عن إعلانه مرسوم الادارة الذاتية، ورفضه تمكين خفر السواحل من أداء مهامه العملياتية، جعل الرياض تخرج عن صمتها، وتلوح للانتقالي بتهمة تهديد الملاحة الدولية، حيث "لا يزال التهديد البحري قائما في اليمن"؛ بحسب بيان صادر عن التحالف، كما أن الوضع الذي تعيشه عدن، من انتشار لوباء كورونا وأوبئة أخرى، أظهر عدن وكأنها تخرج من نطاق "التوازن السعودي" إلى دائرة "الفوضى الاماراتية"، وهو ما يضع الاستضافة السعودية لقيادات الانتقالي، لا تخرج عن كونها محاولة لاعادة عدن إلى نطاق توازنها، خوفا من خروج كل خيوط اللعبة من يدها.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها الممكلة قيادات تابعة للمجلس الانتقالي، بل هي الثالثة، فقد زارت قيادات في الانتقالي السعودية في (29 مايو 2017 )، أي بعد ثلاثة أسابيع من تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ووصلت إلى الرياض قيادات انتقالية في مقدمتها الزبيدي، في (5 نوفمبر 2019 ) للتوقيع على اتفاق الرياض، وهو الاتفاق الذي مر عليه أكثر من (4) أشهر، ولم يطبق منه أي بند، بل نفذ الانتقالي بعده تمردا آخر، كان هذه المرة ضد الاتفاق السعودي، حيث أن إعلان ما سمي"بالادارة الذاتية"، يعد مخالفة صريحة لجوهر الاتفاق، وانقلابا كاملا على مضامينه.
لقد أصبح من المعلوم بالضرورة في"السياسة اليمنية"، أن الانتقالي ليس سوى أداة تنفيذية للأجندة الاماراتية، التي تطمع بالتحكم بسواحل وثروات وموانئ المناطق الجنوبية، وكان لوصول وفد الانتقالي للرياض؛ من ابوظبي، وليس من عدن، دلالة تأكيدية على التبعية المطلقة للامارات، ما يرجح فرضية أن الصراع في عدن، انتقل من كونه خلافا حول من يديرها؛ الانتقالي أم الحكومة، إلى كونه خلافا حول من يتحكم بمن يديرها؛ الرياض أم أبوظبي.
هذه الخلاف بين من يتحكم بمن يدير الأطراف المحلية، هو النقطة الغامضة التي حيرت المحللين للعلاقة السعودية الاماراتية، فلقد ظلت العلاقة طوال السنوات الماضية مبنية على قسمة تتحكم فيها الامارات بمليشياتها، وتحتوي فيها السعودية الشرعية، وأحزابها، لكن هذه القسمة لم تعد عادلة بالنسبة للسعودية، فسياسة الفوضى التي تدير بها الإمارات عدن وسواحل الجنوب، أضحت في صدام مع سياسة التوازن التي تنتهجها الرياض في الجنوب بشكل خاص واليمن بشكل عام، تريد أبوظبي إنهاء كاملا للشرعية وسيطرة شاملة لمليشياتها، وتريد الرياض "توازن ضعف سياسي" يساوي بين الشرعية والمليشيا المتمردة عليها.
هذا التقاطع بين الفوضى الاماراتية والتوازن السعودي، كان من الطبيعي أن يحدث، لأن السياسة السعودية في اليمن، تفضي نتائجها؛ بالضرورة، إلى الفوضى والتشظي، عكسا للسياسة الاماراتية التي تتفق مقدماتها مع نتائجها، بمعنى آخر فإن الخلاف بين الدولتين الخليجيتين هو خلاف حول "النتائج السلبية"، وما ترغب السعودية فيه الآن، هو إعادة الطرف المتمرد عليها؛ الانتقالي، إلى حديقة توازنها الفاشل، والاستضافة السعودية الأخيرة للانتقالي تأتي في هذا الإطار، لكن مشكلة السعودية مع نفسها معقدة للغاية، فهي وفي الوقت الذي تريد فيه حماية توازنها الأعوج في اليمن، تجد نفسها مضطرة لإستئذان الإمارات، راعية الفوضى.
وثق الإحصاء السنوي للسجون الذي تجريه لجنة حماية الصحفيين وجود 11 صحفيًا سعوديًا في السجن بسبب عملهم اعتبارًا من 1 ديسمبر 2022.
يغرق اليمن وهو أصلًا أفقر دول شبه الجزيرة العربية، بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة.