مختار شداد - اليمن نت

"كنت أتعرض للتنمر من صديقاتي بسبب إعاقتي، كان تعليمي صعبا جدا كوني الوحيدة التي لا تتكلم أو تسمع". هكذا بدأت "عائشة جباري" -عبر لغة الإشارة- بسرد قصة معاناتها مع الإعاقة التي رافقتها منذ نعومة أظفارها.

في سن الثالثة من العمر؛ أصيبت عائشة بالحمى الشوكية، فتم نقلها إلى أحد المرافق الصحية الحكومية في محافظة إب، وبدلاً من شفائها؛ ساهم العلاج الخطأ الذي قدم لها في تفاقم حالتها الصحية؛ لتبدأ فصلا جديدا من فصول المعاناة التي سترافقها مدى الحياة.

تسببت الأودية لعائشة بشلل تام، حيث فقدت القدرة على الحركة ومعها فقدت أيضًا القدرة على النطق والسمع، وبعد محاولات في علاجها استمرت لمدة عامين على التوالي بدأت عائشة في استعادة القدرة على الحركة تدريجيًا، ولكنها ستواصل بقية حياتها فاقدة القدرة على الكلام أو السمع.

صعوبات مبكرة

التحقت عائشة بإحدى المدارس بالمحافظة، وكان في انتظارها العديد من الصعوبات التي صادفتها في مراحل طفولتها المبكرة، حيث كانت تتعرض للتنمر من الأطفال في مثل عمرها، بالإضافة إلى عدم فهم المجتمع لها، والمدرسين في المدرسة.

في تصريحها لـ"اليمن نت" قالت جباري: "كانت أمي تجهز حقيبتي المدرسية وبقية المستلزمات، وكان والداي يتابعاني منتظرين متى سأكتب أول كلمة، هل سأكتب ماما أو بابا، أو اسمي الذي لم أستطع سماعه".

تضيف عائشة قائلة: "كان تعليمي في المدرسة صعبا؛ كوني الطفلة الوحيدة التي لا تستطيع الكلام، لكن حلمي في أن أتعلم وإصرار والديَّ في أن أتعلم، لذلك لم أستسلم للعجز".

تقبلت جباري الإعاقة، وانتقلت إلى مدينة تعز للالتحاق بمدرسة متخصصة للصم والبكم وأنهت مشورها بامتياز. ولم يتوقف طموحها عند هذا الحد، فقد قررت عائشة أن تلتحق بالجامعة أيضًا، تخصص حاسوب وتخرجت بتقدير ممتاز.

"عندما كنت أذهب للدراسة شعرت بأن هناك ما يستحق الحياة، وبدأت أنظر للجانب المشرق فقط، وقررت ألا أجعل إعاقتي حاجزًا بيني وبين أحلامي"؛ بلغة الإشارة هكذا تعبر جباري عن إصرارها.

إصرار وعزيمة

في مجتمعنا يعيش ذوي الاحتياجات الخاصة في معزل عن الجميع، وبخاصة في ظل الظروف التي تشهدها البلاد، إذ تدهورت الأوضاع على كافة المستويات، الأمر الذي انعكس بشكل كبير على ذوي الاحتياجات الخاصة مع غياب الاهتمام من قبل الجهات المختصة، لكن قصة جباري اختلفت عن الجميع، فقد تجاوزت كل الصعوبات "العزيمة والإصرار تستطيع تحقيق أي شيء" كما تقول عائشة.

كافحت عائشة لتحقيق حلمها، ولكنها بعد التخرج من الجامعة وجدت نفسها كحال الكثيرين من الشباب الذين لم يجدوا فرص عمل مناسبة.

وتتحدث عائشة بأنها شعرت بالإحباط بعد الجامعة، ولكنها "عائشة الكفاح" التي لا تعرف اليأس، فقد التحقت في برامج خاصة لبناء القدرات وقد ساعدتها تلك البرامج في الانخراط بالعمل المدني، حد قولها.

تزوجت عائشة بمعلمها في الجامعة الذي آمن بقدراتها وأحلامها وعزيمتها في تحقيق ما تريد. يقول زوجها "أحمد الأكحلي" بأن عائشة كانت إحدى الطالبات المتميزات في الجامعة، وأيقن أنه في ظل وجود العزيمة لا فرق بينها وبين أي شخص آخر.

نجاح آخر

شاركت جباري في العديد من المؤتمرات داخل محافظة تعز وخارجها، وذلك بتمثيلها عن فئة الصم والبكم، وساهمت في عدة برامج ومشاريع تنموية لصالح هذه الفئة.

تقول عائشة جباري: "اجتزت العوائق والصعوبات التي وقفت في طريقي ولم أنظر إلى إعاقتي، وآمنت بأن العجز ليس في البدن إنما يكون في العقل".

عمل أحمد وعائشة على تأسيس مبادرة تهتم وتسلط الضوء على هذه الفئة التي تعيش في معزل عن المجتمع، ومن خلال هذه المبادرة استطاعت أن تكون اللسان الناطق والمعبر عن احتياجاتهم.

يقول أحمد الأكحلي في حديثه لـ"اليمن نت" بأن "المبادرة حققت نجاحاً ملموساً، وحصلت على العديد من الجوائز والتكريم، كما أنها عملت على تحقيق الأهداف التي سعت إلى تنفيذها". أصبحت عائشة أول مدربة في اليمن من فئة الصم والبكم متخصصة في الحوكمة والمساءلة المجتمعية. وبرغم الإعاقة؛ فقد وصلت إلى تحقيق أحلامها بجدارة ولم تستلم لليأس، لتصبح "قصة نجاح ملهمة".