في كل أزمة جديدة تندلع بين الطرفين يلوح حزب صالح بالانسحاب من الشراكة في الحكومة غير المعترف بها التي يتقاسمها مع حليفه الحوثي لكن السؤال الذي يبرز دائما هو ماذا بعد هذه الخطوة وهل تعني تحولا في العلاقة بين" أعداء الماضي"؟

الجديد في هذه الأزمة التي كشفت تفاصيلها رسائل مسربة من الطرفين يتبادلان فيها الاتهامات والتخوين والفشل أن حزب صالح أكثر جدية في الانسحاب من شراكة الحكومة وما يسمى" المجلس السياسي" وأكثر جرأة في وصف ما يتعرض له بالممارسات الإرهابية وهي لغة غير معتادة ستؤلب عليهم غضب الحوثيين أكثر مما تدفعهم للمرونة وهو ما حدث بالفعل برد صالح الصماد.

شكوى المؤتمر التي حملت توقيع أمينه العام عارف الزوكا تضمنت اتهامات للحوثيين بجملة من الانتهاكات والممارسات مثل اقتحام مقرات الوزارات التابعة له وإهانة وزرائها واستهداف قيادات الحزب وناشطيه وعدم تنفيذ بنود الاتفاقات الموقعة بين الطرفين، والتي تجسد الشراكة الحقيقية وتمنع التفرد بالقرارات والتعيينات.

من الواضح أن المؤتمر بات في وضع حرج للغاية مع نفسه وقواعده التي مسها الأذى بالقمع والفصل الوظيفي وقطع الراتب وحتى مداهمة المنازل والاعتقال كما حصل مع الإعلامي كامل الخوداني دون أن يستطيع الحزب حمايته أو إطلاق سراحه إلا بعد أيام وبجهود تشمل ضمانات بأن لا يعود لانتقاد الحوثيين وهذا ما يفسر غيابه عن حساباته الشخصية بمواقع التواصل.

وما يمكن قراءته من الرسالة أن المؤتمر ضاق ذرعا بالثمن الذي يدفعه من استمرار وجوده بحكومة لا يملك فيها أي تأثير كما كان يأمل في البداية وبات مجرد شماعة يعلق عليها الحوثيون كل اخطائهم وإخفاقاتهم من الرواتب للكوليرا مع أنهم يتحكمون بكل شيء.

بالعودة إلى إعلان تشكيل" المجلس السياسي" قبل عام والذي كان يعول عليه صالح وحزبه في الشراكة بإدارة السلطة وإزاحة" اللجنة الثورية" وتفعيل دور البرلمان الرقابي سيجد المراقب أن صالح لم يكسب شيئا مما كان يتمناه لأن المجلس عبارة عن ديكور النافذ فيه الحوثي واللجنة الثورية هي المتحكمة وصاحبة السلطة العليا.

رد الحوثيين على رسالة المؤتمر تؤكد أن لا استعداد لديهم لتغيير نهجهم بالتنازل قليلا لحليف خدمهم أكثر مما كانوا يحلمون ولم يعد يهمهم وجود المؤتمر بالحكومة في الوقت الحالي طالما وهم سيظلون معهم في التحالف في مواجهة الشرعية.

ما يحتاجه الحوثي من المؤتمر ليس تقاسم الوزارات وإن كان هو المتحكم بها وإنما منحه غطاء الأعذار والمبررات لالتزاماته المفترضة كسلطة أمر واقع وما دام وهو يستطيع تحقيق هذا الهدف من خلال التعلل بوجود" الدولة العميقة" أي نفوذ صالح المتبقي بجهاز الدولة فلا مشكلة لديه بمغادرة المؤتمر الحكومة.

لكن السؤال الأهم هو ماذا بعد مغادرة الحكومة وهل الهدف مجرد الانسحاب والعودة للوضع السابق أم مقدمة لافتراق هذا سقفه المتاح حاليا لحين نضوج شروط أخرى مرتبطة بالتحول في موقف التحالف العربي تجاه صالح كما بدأت أولى مؤشراته العلنية من قبل السعودية بسماحها لطائرة تقل فريقا طبيا روسيا للهبوط بمطار صنعاء لعلاجه.

الواضح أن حزب صالح يريد الانسحاب لاستعادة ثقة مؤيديه الذين يفضلون هذا الموقف بدلا من البقاء في شراكة صورية تعود عليهم بالضرر أكثر من الفائدة على أن هذا لا يعني أن الانسحاب يحقق ما يريدون ولكنه أقل ضررا أو على الأقل يعفيهم مسؤولية اخفاق حكومة الانقلاب.

هذا هو السقف الذي سيذهب إليه المؤتمر ولن يتجاوزه إلى دور المعارضة الشكلية على سبيل المثال، فهو لن يعارض سياسة الحوثي ولن يسمح لإعلامييه بانتقادهم ومن سيفعل لن يقف معه.

وقد تكون مرحلة الانسحاب من الحكومة خطوة أولى نحو فض التحالف بين الطرفين مع أن الافتراق النهائي لا يزال بعيدا، ولكن هذا الموقف مرتبط بالتحول لدى التحالف تجاه صالح وكلما اقترب منه في ترتيبات وتفاهمات برعاية أطراف دولية بينها روسيا وأمريكا سيكون الافتراق أسرع.

هناك تصور لدى المسؤولين الأمريكيين أن تشجيع صالح على الابتعاد قليلا عن الحوثي سوف يساهم في ايجاد حل سريع للأزمة انطلاقا من فرضية كونه أقل ارتباطا بإيران ويبدو أن السعوديين مقتنعون به نظرا للمأزق الذي يمرون به بينما سبقتهم الإمارات لهذه القناعة وعملت منذ الأيام الأولى لعاصفة الحزم على ترجمتها لواقع.

المشكلة التي تؤخر تنفيذ مثل هذا التصور تكمن في صالح نفسه كطرف ضعيف ليس قادرا على الخروج من تحالفه مع الحوثي ولا مواجهته مستقبلا حتى لو دعمه التحالف عسكريا فليس مضمونا كسب المعركة لتغيّر موازين القوى لصالح حلفاء إيران.