"من بعدما تدخلوا المفرق؛ أمامكم حوالي 80 بالمئة من الطريق إسفلت، والباقي فرعي معبّد"؛ هكذا وصف لنا صديقنا الطريق إلى قريته قبل أيام من زفافه، بهدف تحفيزنا على مشاركته أفراحه، والتعرف على منطقته البعيدة في مديرية شرعب الرونة، شمالي محافظة تعز.

عزمنا السفر قبل يوم من موعد زفاف صديقنا؛ راسمين في خيالنا طريقاً معبدة يمكن أن تسير عليها سيارتنا الصغيرة بكل يسر وسهولة، وأننا يمكن لنا السفر والعودة دون أي عوائق.

بدأت صعوبة الطريق من بداية شارع الستين، بعد مسافة قصيرة من "مفرق الذَكَرَة" الواقع على طريق العاصمة صنعاء شمال مدينة تعز. طرق إسفلتي مليء بالحفر المفاجئة، والمنعرجات الخطيرة، لكننا التهينا في هذا الخط الطويل بالنظر إلى مدينة تعز "القريبة البعيدة" القابعة تحت حصار مليشيات الحوثي منذ ثمان سنوات.

بداية مخيبة

بمجرد أن تجاوزنا مفرق شرعب الرونة، غرب مدينة تعز، لم نجد شيئاً مما رُسم في خيالنا. بالفعل وجدنا طريقا إسفلتياً؛ لكنه مليء بالحفر؛ بشكل لا تكاد تفرّ من واحدة حتى تقع في أخرى، على وقع سِباب صديقنا (صاحب السيارة) المغلوب على أمره.

ولدى سؤالنا أحد الأهالي -على الطريق- عن أسباب الخراب؛ أكد لنا أن الإسفلت رديء منذ بداية إنشائه قبل أكثر من 20 عاماً، وهو ما لاحظناه بأنفسنا، حيث لا تتعدى سماكة الإسفلت ثمانية سنتيمترات فقط.

ولفت الحاج سعيد إلى أن عدم التصريف الصحيح للمياه يعد أحد الأسباب الرئيسية للخراب الحاصل في الطريق، محملاً المسؤولية المقاول والمهندسين وجميع المسؤولين الذين أشرفوا قديما على إنشاء الطريق.

وأشار الحاج سعيد، خلال حديثه لـ"اليمن نت"، إلى أن الدولة قامت بإنشاء طبقة إسفلتية أخرى قبل حوالي 15 عاماً، لكنها لم تكن كافية للمحافظة على الطريق.

قصص واقعية للمعاناة

يروي "عبدالله أحمد" أن أحد أقاربه توفي قبل سنوات مع اثنين آخرين في حادث تصادم دراجتين ناريتين، حاول سائقاها الفرار من الحفر في أحد المنعطفات بمنطقة "الدعّيسة" ليصطدما ببعضهما.

وصبّ عبدالله في حديثه لـ"اليمن نت" جامّ غضبه على المغتربين في المديرية، الذين عجزوا عن إصلاح الطريق.

وأكد عبدالله وفاة وإصابة العشرات ممّن يعرفهم "شخصيّاً" بسبب الحوادث الناتجة عن الحفر المنتشرة في طريق شرعب الرونة.

أثناء مقيلنا في زفاف صديقنا، بدأنا المزاح مع الحاضرين حول "طريقهم السيئة"، وكيف أن العريس "زيّنها" في نواظرنا قبل السفر؛ فحكى لنا العريس قصة لإحدى قريباته، التي قال إنها وضعت ابنتيها الأولى والثانية بعملية قيصرية. لكن في الطفلة الثالثة فاجأها المخاض عندما كانت في قريتها بمنطقة "بني سَرِي"، لتلجأ على الفور لاستئجار سيارة (صالون) تسعفها إلى تعز لإجراء العملية القيصرية، لكنها ولدت طفلتها "طبيعياً" داخل السيارة، قبل الوصول إلى "مفرق شرعب".

الحاضرون أكدوا لنا القصة، ويرون أن السبب يعود للطريق السيئة التي ساعدت الأم على الولادة.

من جانبه يشبّه "محمد المنصري" (أحد الحاضرين) طريق شرعب الرونة بأن السير عليه يشبه "نتيجة تخطيط القلب"؛ حيث "لا يمكن لك السير عليه بشكل مستقيم على الإطلاق".

غياب مجتمعي ورسمي

يشتكي سكان شرعب الرونة من سلطة الأمر الواقع المتمثلة بجماعة الحوثي، التي يؤكدون أنها لم تعمل على تقديم أي مشروع للمديرية منذ انقلابها في سبتمبر 2014.

"عبدالعليم الحميري" (43 عاماً) يرى أن سلطات الحوثي لا تملك شيئاً يمكنها تقديمه لأبناء المديرية؛ لأنها جاءت "لنهب المواطنين فقط" حسب تعبيره.

ورفض مسؤولون في المديرية الرد على طلب "اليمن نت" للتعليق.

ويحمل الحميري، في حديثه لـ"اليمن نت"، المسؤولية "على المنظمات الدولية؛ حيث تعمل على ترميم الطرقات في المدن الرئيسية، وتتجاهل المناطق الريفية"، معتبراً أنها تعمل في المدن الرئيسية لـ"مجرد لفت الأنظار أمام وسائل الإعلام".

ويؤيده في ذلك "سفيان كامل" حول عدم تعويل الأهالي على الحوثيين في إصلاح الطرقات؛ لكنه يرى أن المسؤولية تقع بشكل كبير على عاتق التجار والمغتربين من أبناء المديرية.

وتحدث كامل لـ"اليمن نت" قائلاً إن "هناك أكثر من 10 آلاف مغترب من أبناء المديرية يعملون في السعودية، وبإمكانهم الاجتماع تحت قيادة واحدة للمساهمة في حل مشكلة الطريق الرئيسية للمديرية".

لكن كامل يرى أن هناك "أزمة ثقة" بين أبناء المديرية تحول دون التكافل المجتمعي لحل هذه المعضلة.

وحول عدد المغتربين في المديرية؛ يرى عبدالعزيز الحميري أن العدد أعلى بكثير من 10 آلاف مغترب.

ولا توجد إحصائية رسمية لعدد المغتربين من أنباء شرعب الرونة.

مخاوف عسكرية

يرى بعض أبناء المديرية أن تجاهل إصلاح طريق شرعب الرونة والمناطق المحيطة بها يعود إلى "مخاوف حوثية عسكرية" تتعلق باحتمال اقتراب القوات التي يقودها عضو المجلس الرئاسي طارق صالح من شرعب الرونة، والتي بإمكانها أن تسهل مهمتهم في حال إصلاحها، حد تعبيرهم.

وتتواجد قوات طارق على مقربة من "مثلث سقم" الرابط بين مديريات "حيس" التابعة لمحافظة الحديدة، ومديريتي "شرعب الرونة" و"مقبنة" التابعتين لتعز.

 وتمثل طريق شرعب الرونة خط إمداد عسكري رئيسي لمليشيات الحوثي، التي تقاتل في مديريات مقبنة وحيس.

وما بين المغتربين والمنظمات والحوثيين؛ لا يبدو أن هناك نية حقيقية لإصلاح طريق تمثل شرياناً رئيسياً لعشرات آلاف السكان، الذين أصبحوا يحسبون لها ألف حساب قبل العزم على السفر.