يؤكد فريق البحث أن هذه الدراسة تظهر بالدلائل العلمية للمرة الأولى الآليات البيولوجية التي "تثبت قدرات الزنجبيل في علاج الالتهابات لدى بعض المرضى".
بين مئات القصص المؤلمة في طرق التهريب العابر للحدود اليمنية السعودية، تأتي حكاية عصام (19 سنة) -اسم مستعار حفاظاً على خصوصيته- وهو من أبناء مديرية كحلان الشرف بمحافظة حجة. بعد أن ساءت ظروف عائلته، بسبب توقف راتب والدة منذ سبع سنوات اضطر عصام لمساعدة والده في تحمل نفقات الحياة المعيشية الصعبة في اليمن نتيجة استمرار الصراع في البلد، غير أن عصام اختار مهنة محفوفة بالمخاطر ليقوم بدوره في سند عائلته، وهي تهريب القات من منطقة "آل ثابت" عبر منطقة "الرَّقو" بمحافظة صعدة.
وتعد منطقة آل ثابت بمديرية قطابر في أقصى الشمال الغربي لمحافظة صعدة، مركزا للتهريب بكافة أشكاله، وهي مديرية تحدها المملكة العربية السعودية من الجهة الشمالية الغربية وحتى منتصفها من الجهة الغربية، ومنطقة "الرقو" هي بلدة جبلية تتبع مديريةَ مُنَبِّه في أقصى الغرب من محافظة صعدة، وعلى تخوم حدود اليمن والسعودية.
كانت الساعة تشير إلى السادسة من مساء يوم الجمعة 3 مايو 2022م، حين تحرّك عصام من قريته الجبلية، مع مجموعة من شباب مديرية كحلان الشرف بمحافظة حجة، إلى سوق الرقو، أحد الأسواق الشعبية بمديرية منبّه بمحافظة صعدة، حيث بدأت رحلة عصام ورفاقه وهي رحلة تهريب “نبتة القات" إلى داخل أراضي المملكة العربية السعودية، بالسير مشيًا على الأقدام عبر مناطق حدودية جبلية وتضاريس جغرافية صعبة محفوفة بالمخاطر المختلفة، والتي قد تطرأ فجأة دون سابق إنذار.
عصام شاباً مملوءاً بالحيوية والإصرار على مزاولة العمل الخطِر، وهو من الشباب المتمرسين على خوض مغامرات السير في تلك التضاريس كونه تربّى في جغرافيا مشابهة بمديرية كحلان الشرف بمحافظة حجة ، لذا فقد اختير لمهمة تأمين الطريق إلى جانب مهمته الأساسية في حمل ما يقارب 40 كيلو من القات، وإبلاغ “العتّالين” (من يقومون بحمل صناديق القات على ظهورهم) متى ما أصبحت الطريق جاهزة للعبور إلى الأرضي السعودية بعيداً عن أنظار حرس الحدود السعودي.
الفاجعة الأولى
أخذ عصام حمولة القات المكلف بإيصالها إلى الأراضي السعودية وفي داخله أملٌ في أن يعود سريعاً ويستلم مقابل توصيل الحمولة من القات، حيث بدء بصعود الجبل مع رفاقه متجهين نحو الطريق العابر للحدود
وصل عصام بتحديد إلى منطقة تسمى "بمغربة الجلب" تفحص الطريق فوجدها تخلوا من الجنود فاتصل بالفور على رفاقه الخمسة (حمير وشانع ومأمون وسمير وفريد) وأخبرهم بأن الوضع مطمئن وعليهم بالعبور، ولكن ما إن أقفل المكالمة واستأنف المسير حتى سقطت قذيفة هاون خلفه، في المنطقة التي ينتظر فيها رفاقه.
بدء المشهد حينها مُربكاً ومخيفاً لعصام، حد وصفه، رمى بحمولة القات ليعود مسرعاً ليتفقد رفاقه، فكانت الفاجعة الأولى لعصام حيث يسمع صرخات وأنّات وأجزاء من أعضاء بشرية بعثرة على الأرض وشخص يحاول الزحف على ظهره بعد أن بترت القذيفة رجليه
ويصف عصام لـ"الـيـمـن نـت" الموقف: كان الجو ملبداً بالغبار والدخان ورائحة البارود تملأ المكان ، حينها انتابتني غريزة البقاء والخوف من المصير المجهول في مكان خال من الأمن ومن كل مقومات السلامة ، والموت يتربص بالإنسان بكل ما يحيط به من ألغام أرضية أو قذيفة من الجو، حيث قفزت مسرعاً من جوار المصابين هارباً بنفسي، من أي قذيفة أو طلقة نارية أخرى من أفراد حرس الحدود السعوديين، وهو ما حدث بالفعل ، إذ سقطت خلفي بعدة أمتار قذيفة أخرى، وأصبت بجروح خفيفة لكنها لم تمنعني من مواصلة الركض
يتابع عصام حديثه لـ"الـيـمـن نـت:" أخذت هاتفي واتصلت بالمهرّب (التاجر الذي يقوم بإرسال القات من سوق الرقو ) واخبرته بالمأساة التي حلت على رفاقي ويجب عليه إبلاغ الدفعة الثانية القادمة وغيرهم من العتّالين، بأن لا يجازفون بالعبور, واصلت السير والخوف والقلق يحيطان بي من كل الجهات، وما إن اقتربت من نقطة الوصول حتى قبض علي من قبل حرس الحدود السعودي".
يكمل عصام حديثه لـ"الـيـمـن نـت":" بعد عشر ساعات أمرني ضابط في حرس الحدود ومعي بقية الشباب من مهربي القات الذين قبض عليهم ذلك اليوم ، بحمل أكياس القات ووضعها على ظهر العربة العسكرية الخاصة بهم ليتم مصادرتها، ومن ثم تُركوا الجميع وسُمح لنا بالعودة أدراجنا .
الموت في سبيل البحث عن لقمة العيش
يغامر المئات من الشباب اليمنيين في تهريب القات عبر الحدود السعودية، من أجل كسب العيش، لكن أيّ لقمة عيش يمكن كسبها من تهريب القات، وأي أمل يرجونه في طريق الموت! حيث معظمهم يلقون حتفهم نتيجة قذائف ورصاص حرس الحدود السعودي.
تقول الحاجة مريم بنت عايض (55 سنة) وهي من مديرية المفتاح بمحافظة حجة ، وهي أم لأحد العاملين في تهريب القات ، إن ابنها (25 سنة)- أب لـ أربعة أطفال، يعمل في تهريب القات منذ حوالي ست سنوات: "بعد انقطاع راتبه في بداية الحرب حيث لم يجد ابني أي عمل إلا في تهريب القات, وانا أعيش في خوف وقلق دائما فأنا أسمع كل يوم أخبار القتل وأخشى أن يأتيني خبر بأن ابني بينهم يوما ما"
الجدير بالذكر أن العاملين في تهريب القات عبر الحدود، يعرفون حجمَ الخطر الذي يتربص بحياتهم. يقول (قاسم)، في حديثه لـ"الـيـمـن نـت": إنها عملية بالغة الصعوبة حيث نستمر في المشي لساعات في طرق جبلية وعرة لنوصل بحمولة القات الى أول قرية سعودية, ونعلم وجود القناصين والألغام الأرضية والقصف العشوائي الذي يخطف أرواح العشرات ولكنها معركة البحث عن لقمة العيش "
طرق محفوفة بالمخاطر
يضطر المهربون إلى سلوك طرق وعرة مشياً على الأقدام عبر سلاسل جبلية تمتد من قرية آل ثابت بمديرية قطابر، وصولاً إلى قرية "آل تليد" المحاذية لها والتابعة لمحافظة بني مالك بمنطقة جازان جنوبي السعودية.
ويستغرق مهربو القات من أربع إلى خمس ساعات للوصول إلى أول قرية حدودية سعودية في محافظة بني مالك جنوبي السعودية، ليتم تسليم حمولتهم من القات لأحد الأشخاص هناك ويقبضون مبلغ ألف ريال سعودي عن كل حملة.
يقول (حمير الخبش) وهو أحد العاملين في تهريب القات لـ"الـيـمـن نـت": "وعورة الطريق في الجبال وما ينتظرنا في طريق الذهاب والإياب يشبه إلى حد ما فيلم رعب نعيشه في كل مرة نعبر بالقات إلى الحدود السعودية، حيث غالباً ما نتحرك في الليل تفادياً لمناظير ورصاص قناصة حرس الحدود السعودي" ويتذكر حمير (عبدالمجيد موانس) آخر ضحية من قريته تطايرت أشلاؤه في إحدى الطرق الجبلية. لم يستطع أحد الاقتراب منه بسبب استمرار القصف ونيران القناصة, ويكمل "انتظرنا حتى الصباح وصعدنا الجبل لانجمع أشلاء صديقي ، ودفناه هناك". يضيف أنه لا يمر يوم دون موت على جبال التهريب، وأن أحدهم قُتل برصاصة قناص في منتصف شهر أغسطس/ 2022، بينما كان عائداً من تسليم حملة القات، فأخذه زملاؤه إلى مسقط رأسه ودفن هناك".
بحسب العاملين في تهريب القات عبر بلدة "الرقو"، لا يمرّ شهر دون حوادث قتل بالعشرات، بمن فيهم فتيان بسن الخامسة عشرة. صغار وكبار تدفعهم ظروف الحياة الصعبة نحو طريق الموت ؛ حيث يتقاضى كل من ينجح في مهمته، بين 800-1000 ريال سعودي.
جرائم بعيدة عن الأضواء
شهد العام الجاري مقتل العشرات من مهربي القات واعتقال مئات آخرين على الحدود اليمنية السعودية على أيدي حرس الحدود السعودي حسب وسائل إعلام محلية تتبع جماعة الحوثي المسيطرة على الجانب اليمني من الحدود..
وفي أبريل الماضي قتل 4 مهربين وأصيب 3 آخرون بانفجار لغم أرضي قرب منطقة الدائر الحدودية التابعة لمنطقة جازان أثناء محاولتهم تهريب كميات من القات إلى الأراضي السعودية.
وقتل الشاب( فايد قاسم )، من مديرية أسلم بمحافظة حجة، في 14 من مايو الماضي، برصاص حرس الحدود السعودي أثناء محاولته التسلل إلى القرى السعودية المحاذية لصعده وهو يحمل كميات من القات حسب وسائل اعلام محلية .
وقالت مصادر محلية لـ"الـيـمـن نـت": إن قصفاً مدفعياً لحرس الحدود السعودي الجمعة الماضية استهدف مهربين للقات على الحدود في أطراف مديرية رازح أسفر عن مقتل الشاب "فارس احمد" من أبناء مديرية رازح نفسها، وإصابة شخص آخر كان بجواره..
ومن الصعوبة أن نجد إحصائية دقيقة لعدد الضحايا من المهربين ففي الحدود لا تسمح جماعة الحوثي بتواجد منظمة أو هيئة مختصة تتبنى القيام بذلك، وفي المقابل السلطات السعودية تفرض تكتيماً إعلامي على ما يجري في الحدود اليمنية من استهدف وتكتفي بنشر بينات عن تمكن حرس الحدود من إفشال محاولة تهريب كميات كبيرة من القات إلى الأرضي السعودية بدون ذكر وجود ضحايا على طوال الحدود في الجانب اليمني .
وخلال عملنا على إعداد التقرير رصدنا أكثر من خمسة أشخاص من مديريات الشرفين بمحافظة حجة قتلوا أثناء تهريب القات للسعودية من سوق الرقو الواقع في مديرية منبّة بمحافظة صعدة، إضافة إلى عشرات الجرحى، أخرهم مقتل أثنين من مديرية كحلان الشرف خلال الأسبوعين الماضيين، وتعرض آخرين لإصابات مختلفة، بينهم الشاب عصام ، من مديرية كحلان أيضآ ، الذي سرد تفاصيل قصة مقتل رفاقه أثناء محاولتهم العبور إلى الحدود السعودية .
وعلى الرغم من تصنيف المملكة العربية السعودية لمادة “القات” ضمن المواد المخدرة عقب إدراجه من قبل منظمة الصحة العالمية عام 1973 ضمن قائمة المواد المخدرة، إلا أنها لم تسنّ قانوناً يسمح لأفراد حرس الحدود باستهداف مهربي القات إلى أراضيها، بالرصاص الحي وبقذائف الهاون والألغام، وهو الأمر الذي يعتبره حقوقيون، جريمة قتل خارج إطار القانون، وانتهاك لحقوق الإنسان.
وتصل عقوبات تهريب القات إلى السعودية من سنة إلى ثلاث سنوات حسب كمية القات الذي يحمله المهرب على ظهره، في حين تصل عقوبة تهريب كميات كبيرة من القات على سيارات داخل الأراضي السعودية إلى خمس سنوات، وفقًا للقرار الوزاري السعودي 2057 لعام 1404م.
أرباح ترفد خزينة الحوثيين
في السياق، يرى الحقوقي (خالد .ك) يمني مقيم في مدينة جدة السعودية، فضّل عدم الكشف عن اسمه, أن ازدياد استهداف مهربي القات من قبل حرس الحدود السعودي خلال الفترة الأخيرة، في إطار المخاوف الأمنية لدى السعودية، من تهريب خبراء عسكريين حوثيين إلى مناطق شعية داخل المملكة لتدريبهم، ومن ثم أحداث أعمال إرهابية تضر باقتصاد المملكة العربية السعودية، إذ يتم استهداف مهربي القات وغيرهم من المتسللين، باعتبارهم تهديدات محتملة أو أهدافاً عسكرية تحاول اختراق الحدود، حد وصفه..
ويضيف في حديثه لـ”الـيـمـن نـت” :"أن السلطات السعودية تعتبر سوق الرقو بصعدة وكراً لتجارة البشر والمخدرات والسلاح والقات, الذي يرفد جماعة الحوثي بالاموال, ومصدر تهديد لأمن المملكة القومي، خصوصاً بعد تعرض بعض أفراد حرس الحدود لعمليات قتل نفذها عصابات ومهربي السلاح والمخدرات ، ما تسبب بتشديد قيود التسلل واعتبار المناطق الحدودية مناطق حرب حتى في ظل سريان الهدنة الأممية".
ويكمل المحامي (خالد.ك) “للأسف غالبية من يقتلون في الحدود هم من اليمنيين مهربي القات، حيث يستغلونهم تجار القات الكبار التابعين لجماعة الحوثي , حيث تسمح جماعة الحوثي بنشاط تهريب القات والممنوعات ,ويعمل قادة كبار في الجماعة في تجارت القات والسلاح والمخدرات, وإلا لماذا لا توقف الجماعة عملية التهريب في سوق الرقو الحدودي ؟ أما بالنسبة للسلطات السعودية فهي ترى أن تصرفها عمل مشروع لحماية حدودها، ما يجعل هؤلاء الشباب ضحايا دون إنصاف من أحد، فتضيع حقوقهم ودماؤهم، والأفضل أن يحافظوا على أنفسهم ويمتنعون من الانخراط في أعمال غير شرعية"
ورغم استمرار سقوط الضحايا من اليمنيين على الحدود السعودية ، ما يزال يعمل سوق الرقو حتى اليوم، في تهريب القات إلى الأراضي السعودية، دون أي تحرك من قبل سلطات الأمر الواقع "جماعة الحوثي" وعدم اكتراث الجماعة في وضع حلولٍ للحد من عمليات التهريب بكل أشكالها في المناطق الحدودية في محافظة صعدة .
يؤكد فريق البحث أن هذه الدراسة تظهر بالدلائل العلمية للمرة الأولى الآليات البيولوجية التي "تثبت قدرات الزنجبيل في علاج الالتهابات لدى بعض المرضى".
يأتي الاستطلاع وسط تقارير تفيد بأن المسؤولين الأمريكيين والسعوديين يناقشون تفاصيل اتفاقية الدفاع المشترك
أطاحت جماعة الحوثي المسلحة، اليوم الأربعاء، بحكومة عبد العزيز بن حبتور غير المعترف بها دوليا ضمن "التغيير الجذري" لزعيم الجماعة.