The Yemen Logo

بين الرياض وأبو ظبي والحوثيين... اليمنيون في انتظار السلام

بين الرياض وأبو ظبي والحوثيين... اليمنيون في انتظار السلام

غرفة الأخبار - 16:53 26/09/2023

مع حلول ربيع 2023، تفاعلت وسائل الإعلام الرئيسية، سواء كانت عربية أم غربية، بشكل مكثّف مع بدء المحادثات الثنائية الرسمية بين الحكومة السعودية وحركة التمرد الحوثية، معلنة عن اقتراب التوصل إلى مخرج من الحرب التي بدأت قبل ثماني سنوات. شكّلت صور سفير السعودية في صنعاء ومصافحته لزعماء التمرد (رغم كونهم مطلوبين)، بالإضافة إلى المناقشات المشجعة، سببا كافيا للإسراع في التكهّن. بين سعادة متسرّعة وبحث يائس عن أخبار سارّة، توقّع الجميع اقتراب إعلان عن اتفاق سلام. ها قد مرت ستة أشهر، ولم يزل اليمنيون في الانتظار.

بشكل مقصود أو دون وعي منها، قدمت وسائل الإعلام خدمة كبيرة للحملة الإعلامية السعودية. استهدفت هذه الحملة في المقام الأول إعفاء المملكة من مسؤوليتها فيما يتعلق بالنزاع، إذ تسعى الرياض إلى إنساء الدمار والجرائم التي اقترفتها في اليمن. فمن وجهة نظر السعوديين، فإن هذه العملية العسكرية كانت منذ 2015 مكلفة على صعيد سمعتها الدولية، ما يفسّر استراتيجية الانسحاب. ويجب أن نقرّ هنا أنّ هذه الاستراتيجية لا تهدف بالضرورة إلى التوجه نحو عملية تسوية، كما لا يتعلق الأمر بمبادرة لإعادة بناء البلاد، التي يعاني مجتمعها كما بنيتها التحتية من ويلات الحرب.

في منتصف سبتمبر/ أيلول 2023، قام محمد بن سلمان بزيارة فجئية إلى صلالة في سلطنة عمان، استجابة لدعوة السلطان هيثم، وهو ما شجّع السعوديين على استعادة الملف. براعة عُمان في مجال التعاملات السياسية ودبلوماسيتها المترويّة واستثمارها الدائم في لعب دور الوساطة في اليمن، سهّل عملية التنسيق السريع لاستقبال وفد حوثي في الرياض بغرض عقد محادثات، وهي بالتالي المرة الأولى منذ سنة 2015 التي يتم فيها عقد محادثات داخل الأراضي السعودية. رغم إحيائها لبعض الآمال، تغطي هذه الانطلاقة على الكثير من المسكوت عنه، وخاصة عن حدود العملية التي انطلقت الربيع الماضي. لكنها تفضي في النهاية إلى استخلاص بعض الدروس حول هذا النزاع الطويل الأمد.

عملية تبييض

يكشف الفشل العسكري أمام الحوثييّن عن ضعف القوة السعودية الناشئة. كما أن اللجوء إلى القوة العسكرية، وبشكل خاص استخدام غارات جوية غير مدروسة، أدى إلى اتخاذ جملة من الإجراءات القانونية في أوروبا وغيرها من المناطق، بالإضافة إلى اتهام الرياض بارتكاب جرائم حرب. وعلى الرغم من طموحاتها الوطنية الكبيرة، فإن المملكة العربية السعودية لا تزال تعتمد بشكل كبير على دعم الغرب. كما أنّها أقل فعالية بالمقارنة مع جارتها الإماراتية التي دخلت معها تدريجيًا في منافسة عسكرية. وعلى ضوء هذه الحقائق، لم يعد من المعقول أن تستمر الحملات الإعلامية حول التغييرات الاجتماعية والاقتصادية التي يقوم بها ولي العهد محمد بن سلمان للترويج لصورة مجتمع حديث ومنفتح وديناميكي، بالموازاة مع الصورة التي يروّجها الوضع في اليمن. ولهذا، كان من الضروري بالنسبة إلى السعوديين الانطلاق في إجراءات الانسحاب.

من المؤكد أن عملية التلميع هذه لم تنطل على اليمنيين، لكن كان لها مع ذلك تأثير، فقد بدت الإرادة الصريحة لقادة المملكة لإنهاء النزاع ووضع حدّ للقصف على اليمن كافية لبناء السلام، خاصة وقد تم تفسير الحرب بشكل واسع في وسائل الإعلام من خلال بعدها الإقليمي. وفعلاً، دائما ما كان هذا النزاع يُفهم على أنه حرب بالوكالة بين الإيرانيين والسعوديين الذين تسلّحوا بدورهم عبر عقود تسليح مثيرة للجدل مع الغرب.

في مارس/آذار 2023، فتح التقارب غير المتوقع بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية تحت إشراف صيني الباب أمام فرصة للخروج من هذا المأزق، وبالتالي لاحتمال رؤية آفاق واعدة “للسلام”. هذا السيناريو كان يهدف إلى تحويل دور السعودية من طرف فاعل في الحرب إلى طرف صانع للسلام بين المتمردين والحكومة المعترف بها دوليًا. عبّر الحوثيون عن رفضهم لهذه الحملة الإعلامية من خلال نشر رمز #طرف_لا_وسيط على وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة لمنع السعودية من الخروج منتصرة ومتملّصة من المسؤوليات المتعلّقة بإعادة الإعمار والتعامل مع مطالبهم.

في منطقة متوترة مليئة بالنزاعات، وبينما كانت أنظار العالم الغربي متجهة نحو أوكرانيا، بدت القضية اليمنية قابلة للتسوية، وهو ما تمّ التسويق له على نطاق واسع. اختفى اليمن من عناوين الأخبار ووسائل الإعلام أكثر من أي وقت مضى، ورغم ذلك، استمرت الجهود الدبلوماسية الدولية بقيادة المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانس غروندبرغ، ولكنها جرت تحت الكثير من الرقابة ودون تحقيق نجاح يُذكر.

تأكيد تعفّن الوضع

بعد مرور ستة أشهر على الإعلانات المنتصرة، فإن أقل ما يمكن قوله هو أنّ الوضع قد بقي متناقضا. كما تبيّن أن المحادثات المعلن عنها في أبريل/نيسان 2023 لم تُسفر سوى عن تبادل السجناء، دون تحقيق تهدئة فعلية. تم إيقاف القصف من الجانب السعودي، وتراجع الحوثيون عن إطلاق طائرات بدون طيار داخل الأراضي السعودية. وعلى كون هذه التطورات تعتبر إنجازا في حد ذاتها، فإن هذا الوضع كان موجودًا قبل إعلان بدء المحادثات ولم يتغيّر بالتالي الكثير. في الوقت نفسه، يستمر المتمردون في حشد قوات عسكرية وتجميعها بالقرب من مأرب، وهي الجيب الأخير للحكومة الذي يقع بين فكّي الحوثيين والجنوبيين. وفي سبتمبر/أيلول 2023، قام الحوثيون بتسليط الضوء إعلاميا على تدريبات عسكرية ضخمة وواصلوا تجنيد الأطفال. لقد نجحوا بدورهم في تعزيز سلطتهم في صنعاء من خلال تبنيهم لإيديولوجية مُنظّمة وتنفيذهم لحملة قمع شديدة. وبالرغم من أن ممارسة السلطة تتسبب أحيانًا في التآكل، إلا أنها لم تثر احتجاجًا داخليًا كبيرًا من طرف القبائل في المناطق الجبلية المحيطة بصنعاء أو من طرف الأحزاب السياسية.

من المؤكّد أنّ التهدئة الأخيرة قد ساهمت في إيجاد حل للمشكلة الطارئة المتعلقة بناقلة النفط “صافر”، التي بقيت متروكة في وسط البحر الأحمر طوال فترة قاربت العقد، ما كان يهدّد بحدوث تسرّب نفطي غير مسبوق تاريخيا. ومن خلال اتفاق تم عقده تحت إشراف الأمم المتحدة، خصّصت ميزانية ضخمة تجاوزت 100 مليون يورو، ساهمت منها فرنسا بحوالي 3 ملايين يورو، لنقل مليون برميل من النفط الخام إلى سفينة جديدة في منتصف أغسطس/آب 2023. وقد تم حجز المشتقات النفطية في هذه السفينة في انتظار اتخاذ قرار بشأن ملكيتها بين الحوثيين والحكومة.

من الناحية الهيكلية، ثبّت الإعلان عن مفاوضات ستحسم مسألة انسحاب السعودية ميزان قوى ترجح كفّته لصالح الحوثيين والجنوبيّين على حساب الحكومة اليمنية. وبدلاً من الاعتراف بالهزيمة وطيّ هذه الصفحة، تبدو استراتيجية السعودية مصممة على تأكيد تعفّن الوضع من خلال التظاهر بالانسحاب الذي لا يقدّم حلاً لليمنيين، ما يترك القضايا الإنسانية معلّقة والتنافسات السياسية على حالها. يثير هذا التوازن غير المستقر الكثير من الاستياء، ويطرح إمكانية حصول اشتباكات مستقبلية. كما يحيلنا الوضع الحاليّ أخيرا إلى مدى انفصال القضية اليمنية برمّتها عن العلاقات الإيرانية السعودية، فقد أصبح الحوثيون مستقلين سياسيًا عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ويعتبرون أنفسهم في موقع قوة.

تعز، حجر الأساس في إعادة بناء الدولة

في هذا السياق، لا يمكن أن نتوقع حدوث السلام في القريب العاجل. هناك ثلاث إشكاليات رئيسية يتم تجاهلها في كثير من الأحيان في الروايات التي يقدّمها المراقبون الأجانب. تتعلق النقطة الأولى بمدينة تعز التي تقع على الجبهة الأمامية. أما النقطة الثانية فتتعلق بتأخر دفع رواتب الموظفين، بينما ترتبط النقطة الثالثة بالدور الذي تلعبه دولة الإمارات العربية المتحدة.

المصدر: أوريان 21

انشر الخبر :

اخر الأخبار

شدد المسؤول الصحي أنه "يجب دائمًا حماية الرعاية الصحية بموجب القانون الإنساني الدولي".

أشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي "يمسح البشر والحجر والشجر امام سمع العالم وبصره دون ان يحرك ساكنا لوقف محرقة غزة".

لم تتزحزح الولايات المتحدة عن موقفها المؤيد للحرب واستمرارها، مع رفض إدانة جرائم الحرب المرتَكبة ضد المدنيين

وصف أبو عبيدة عجز الحكام العرب عن "تحريك سيارات الإغاثة والمساعدات الإنسانية إلى جزء من أرضكم العربية الإسلامية الخالصة رغماً عن هذا العدو المهزوم المأزوم"، بأنه أمر "لا نستطيع فهمه ولا تفسيره".

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram