بالقرب من شواطئ محافظة الحديدة، الواقعة غرب اليمن، وفي ال (6 مارس 2023) بدت أمواج البحر الأحمر هادئة، مع رسو سفن محملة بالبضائع والوقود في ميناء المحافظة الخاضعة لسلطة الحوثيين منذ (2014).
احتفت مليشيا الحوثي بهذا الرسو بشكل علني، وهذا الاحتفاء ليس لوصول السفن بحد ذاته، فقد سبق أن دخلت السفن إلى ميناء الحديدة أكثر من مرة، إلا أن المنجز المحتفى به متمثل في انتظام عملية ابحار السفن نحو موانئ الحديدة؛ كما هو اعلان قيادات حوثية.
فعلى موقع وكالة سبأ الحوثية أعلن الحوثيون عن انتظام عملية وصول سفن البضائع والوقود إلى موانئ الحديدة، وقال الموقع إن القيادي في الجماعة عبد الوهاب الدرة، التقى المنسق الأممي للشؤون الإنسانية، ديفيد جريسلي، مطالبا بتأهيل وتطوير ميناء الحديدة.
المطالبة بتأهيل ميناء الحديدة، تعني أن الحوثيين يتعاملون مع فكرة انتظام وصول السفن إلى الحديدة على أنها مقدمة لنيل امتيازات أخرى، تضفي عليهم الاعتراف شبه العلني بهم. بعد أن حصلوا على هذا الاعتراف من قبل؛ فيما يتعلق بإصدار الجوازات من صنعاء، فضلا عن استمرار الرحلات من مطار صنعاء الخاضع لهم.
ما يفعله الحوثيون، هو جزء من سياسة تهدف لنيل اعتراف دولي شبه علني بشرعية سلطتهم، وتمضي تلك السياسية على مسارات متوازية؛ سياسية مرتبطة بمفاوضات الحوثيين المباشرة مع السعودية برعاية مسقط، وثانية متعلقة بمباحثاتهم غير المباشرة مع الحكومة المعترف بها دوليا عبر الأمم المتحدة، وثالثة بتفاهمات مباشرة مع المبعوثين الدوليين وسفراء الدول العشر الراعية للسلام في اليمن.
السياسة الحوثية ممنهجة ترسم في طهران ويشرف عليها حزب الله اللبناني، وتعتمد على مجاراة النفس الطويل للمجتمع الدولي، المجتمع الذي يتعامل مع المشكلة اليمنية كورقة في النزاع الأمريكي الإيراني حول الملف النووي.
لا ينكر الإيرانيون أو حلفاؤهم في لبنان تحكمهم بالمشهد السياسي للحوثيين، فحسن نصر الله زعيم حزب الله، اعترف بالعلاقة مع الحوثيين في أكير من خطاب له. وظهر في كلمته الأخيرة (6 مارس 2023) كموجه ليس فقط للحوثيين، بل للسياسية اليمنية. حيث قال إن حل مشكلة اليمن تمر عبر الحوثيين وليس عبر أي جهة أخرى.
حاول الزعيم اللبناني- الإيراني، اختزال اليمن في مليشيا الحوثي، باعتبارها ممثلة وحيدة لليمن، وهذا ليس جديدا في خطابه، إلا أن اللافت أن نصر الله تحدث هذه المرة معترضا على ربط اليمن بأي تسويات إيرانية- أمريكية أو إيرانية- سعودية، قائلا: إن ذلك يعني أن حل مشكلة اليمن سنتنظر طويلا، وربما ل (100) عام قادمة.
حسن نصر الله، في خطابة كان صادقا فيما يتعلق بعبثية ربط حل مشكلة اليمن بالتسويات الإقليمية والدولية، وهي نقطة يجب الانتباه إليها جيدا، كونها آتية من زعيم يدير بشكل مباشر السياسية الخارجية للحوثيين، وبيده قرارات التفاوض مع السعوديين أو غيرهم.
ولذا فان فكرة استمرار انتظار نتائج إيجابية من الحوثيين تبدو غير منطقية. فالزعيم المتحكم بسياسة صنعاء يقول بوضوح: إن الحلول التي تعجزون عن نيلها من الحوثيين، لن تستطيعوا بتحقيقها من رعاتهم الإيرانيين.
في الحقيقة، هناك نقطة مشتركة تجمع بين السياستين؛ الأمريكية والإيرانية، وهي سياسة النفس الطويل، فطهران تجيد حياكة السجاد، وهو فن يعتمد على طول الزمن، والقادة الإيرانيين لديهم هذه العادة في الدبلوماسية، كما أن واشنطن تمارس سياسة النفس الطويل في حل مشكلات العالم، عبر نظريتي تجزئة المشاكل والفوضى الخلاقة.
على ذلك، فان اليمن ستطول مشكلتها، في حال استمر اعتمادها على نتائج التسويات الخارجية، لأن أغلب النتائج ستذهب لصالح طهران من الناحيتين؛ الإقليمية والدولية. وحاليا يحاول الحوثيون استثمار طول المفاوضات العبثية، لنيل المكاسب الممكن نيلها بالتجزئة، مع التمسك بالمطالب الصعب تحقيقها.
ما هو واضح، أن مشكلة اليمن ستنتظر الحلول طويلا؛ ليس لأن زعيم حزب الله قال ذلك، ولكن لأن القيادة الرسمية المعترف بها والممثلة لليمن، مرتهنة قرارات البلد السيادية للرياض وأبو ظبي، ما يعني أن كل النتائج المتوقعة من أي مباحثات، ستكون لصالح أي طرف إقليمي إلا اليمن ذاتها.