اليمن نت- محمد اللطيفي
عندما نفذت الطائرات المسيرة الحوثية ضرباتها على محافظتي حضرموت وشبوة، في أكتوبر 2022، لم تكن فقط تستهدف تعطيل عملية إنتاج أو تصدير النفط، بل كانت لديها أهداف متعددة، في مقدمتها جعل النفط أداة ابتزاز على طاولة المفاوضات مع المجتمعين؛ الإقليمي و الدولي.
لقد أدت الضربات الحوثية المهمة العسكرية بنجاح، فهي باستهدفها مواقع نفطية في بئر علي والشحر، لم يكن الهدف الحقيقي الحاق أضرار مادية بالمؤسسات النفطية، بل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية. أتى الاستهداف في توقيت مخطط له، بالتزامن مع رسو ناقلات نفط أجنبية على موانئ حضرموت وشبوة، وهو ما حقق نتائج سلبية على الاقتصاد اليمني، إلا أنها مثلت بالنسبة للحوثي نتائج إيجابية.
عملية انتاج النفط مستمرة، فحقوله في حضرموت لا تزال تنتج حوالي (7500) برميل يوميا، بحسب مصادر حكومية لوسائل إعلام دولية. مع ذلك، فإن عملية تصدير النفط توقفت منذ أكتوبر 2022، ويعود السبب؛ وفق مصادر في شركة النفط، إلى ظروف أمنية علقت عملية التصدير.
مجلة انرجي انتلجنس الامريكية؛ التي تعنى بمجال الطاقة، نقلت عن مسؤولين في شركة النفط بحضرموت، وجود تخوفات من وقوع هجوم حوثي آخر، ضد أي عملية تصدير، ولذا تنتظر الشركة نتائج المباحثات السعودية الحوثية التي تجري برعاية عمانية.
هذا يعني عمليا، أن الحوثيين حققوا هدفهم الرئيسي من عملية الهجوم على النفط، لقد أضحى النفط رهينة لديهم، وبالأدق اصحبت عملية تصديره مرتبطة بطائراتهم المسيرة. فعملية تصدير النقط تنتظر تعهدا من الحوثي بعدم استهداف مراكز التصدير.
لقد نجح الحوثي في تحويل عملية تصدير النفط إلى ورقة رابحة له على طاولة مسقط للمباحثات الجارية بين الحوثيين والسعوديين. فالحوثي يدرك تماما أن أماكن النفط هي بالضرورة مناطق نفوذ سعودية، وتعني للمملكة الكثير من الأهمية، ولذا كان استهدف تلك المناطق بغرض جعلها أداة لابتزاز الرياض أولا والمجتمع الدولي ثانيا.
تعيش السعودية في مأزق، فهي تناور السعودية في التعاطي مع طلبات الحوثيين، لأن التجاوب الكلي معها، يعني هزيمة كاملة ومجانية مهداة للحوثيين، واعترافا رسميا بشرعية سلطتهم. بينما تحاول واشنطن تجزئة الاستجابة لمطالب الحوثيين، سعيا لكسب الوقت حتى ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة، فضلا عن ارتباط أزمة اليمن بالنقاش الأمريكي الإيراني حول الملف النووي.
الحوثيون يحاولون استثمار ورقة النفط، إلى تحقيق مكاسب عاجلة: مثل توسيع عدد العواصم التي تنشط حركة الطيران من وإلى مطار صنعاء، وزيادة عدد سفن المبحرة إلى ميناء الحديدة والمحملة بالوقود والمواد الغذائية. كما أن الحوثيين يشترطون موافقة السعودية على صرف رواتب لمقاتليهم، وهو ما يمثل لهم أهم نجاح، حيث يعني ذلك الاعتراف الضمني بشرعية سلطتهم على الأرض، كون صرف الرواتب سيتم تحت بند القوات المسلحة والأمن للجمهورية اليمنية.
النتيجة النهائية التي يريد الحوثيون التوصل إليها: بناء طاولة مفاوضات سعودية حوثية علنية وبرعاية أممية، وهو ما يعني لهم اعترافا بأن الصراع ليس يمنيا-يمنيا؛ أي بين شرعية وانقلاب، بل بين اليمن والسعودية. وهذه الطاولة إذا ما أدت الظروف إلى تأسيسها، ستؤدي مستقبلا إلى بناء طاولة مفاوضات أخرى علنية بين الرياض وطهران، وهو ما يعني اعترافا دوليا بتوزيع النفوذ بين البلدين الاقليمين.
في كل الأحول، لا يمكن التأكد من المآلات المستقبلية لكل ما يجري في اليمن، لأن الممثل الرئيسي لليمن والمعترف به دوليا، ليس بيده القرار السيادي لليمن. فمجلس القيادة تابع كليا للتحالف السعودي الإماراتي، وأعضائه ليسوا متفقين على تمثيل الجمهورية اليمنية؛ حيث يتبنى الانتقالي مشروع الانفصال..
الأخطر أن الدبلوماسية اليمنية الرسمية تعيش موتا سريريا، والعالم لا يزال يتعاطى مع اليمن كمحلق تابع للمملكة، وفي ظل هذه المعطيات فإن مليشيا الحوثي ستظل متقدمة على الحكومة في التحكم بملفات كثيرة؛ ليس النفط إلا أن أحدها.. ولا عزاء لليمن بنخبة حاكمة فاقدة للكرامة ولا تعرف ما معنى السيادة اليمنية.