لا يتوقف الغضب الإماراتي من مفاوضات السعودية مع الحوثيين
كثر حديث الحوثيين هذه الأيام عن المبادرة التي أطلقها رئيس مجلسهم السياسي "مهدي المشاط" للحوار مع السعودية، والتي لاقت ترحيبا كما يقولون من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. فهل وصل الطرفان: السعودية والحوثيون إلى قناعة بضرورة إيقاف الحرب؟
في تقديري الحوثيون لايعرفون معنى للسلام، فهم لا يجدون أنفسهم إلا في الأزمات والحروب، إلا إذا طلبت منهم طهران الإيقاف لمصلحتها، فسيكون إيقافا مؤقتا وسرعان ما يستعيدون نشاطهم الحربي المحبب إلى أنفسهم، والذخيرة البشرية لديهم في ازدياد طالما وهم يشعلونها حربا مقدسة.
لكن المشكلة في السعودية، فكما يبدوا أن حرب خمس سنوات أظهرت الحجم الحقيقي للسعودية، وأنها لا تستطيع قيادة أي معركة، صغيرة كانت أم كبيرة، فإذا كانت قد منيت بشر هزيمة على أيدي الحوثيين الذراع الإيراني في اليمن فهل ستستطيع مواجهة إيران؟
ربما أدت الصفعة الحوثية الموجهة للسعودية في منشآت أرامكو النفطية إلى إيقاظ السعودية من غفوتها، فبعد أن كانت تهدد بنقل المعركة إلى الأراضي الإيرانية لارتكازها على حلفائها الأمريكين والإماراتيين، إذا بها تجد نفسها بمفردها دون حلفائها تحت رحمة الطائرات والصواريخ الحوثية، وهو ما جعلها تتلقف وبشكل متسارع إعلان الحوثيين بوقف استهدافها بإيجابية مطلقة، عبر عنها ولي عهدها محمد بن سلمان بالخطوة الإيجابية، وبأنه يأمل حدوثها "اليوم قبل الغد".
ولو تتبعنا التصريحات المختلفة عن الموقف السعودي من مبادرة الحوثيين بوقف استهدافها، سواء تلك التي أطلقها المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، والذي أعلن فيها تسلم طهران رسالة من السعودية عبر وسطاء للحوار، أو تلك التي أطلقها رئيس الوزراء الباكستاني، والذي أعلن هو الآخر أنه سيقوم بوساطة بين السعودية وإيران بطلب سعودي، أو ما رشح عن رئيس الوزراء العراقي، لعرفنا معنى "اليوم قبل بكرة" التي تحدث عنها ابن سلمان. والتي؛ في تقديري؛ تحمل الكثير من المعاني، فبينا هي تحمل الهزيمة الساحقة التي منيت بها السعودية من إيران وذراعها الحوثي، والتي أكدتها السنين الخمس الماضية من زمن الحرب، والتي أثبتت أن السعودية غير قادرة على مواجهة ذراع من أذرع إيران (الحوثي) فكيف بها بمواجهة إيران نفسها، فإنها كذلك تحمل معنى الخديعة الكبرى التي وقعت فيها السعودية، والتي كانت تؤملها من خلفائها المقربين أمريكا والإمارات، والتي كانت تتحصن خلفهما إذا ما حدثت مواجهة بينها وبين إيران.
فالولايات المتحدة الأمريكية التي تعتمد عليها السعودية في حمايتها من الأعداء لايفتأ رئيسها "ترامب" يصرح ساخرا وبشكل علني من القيادة السعودية، ويقول بالفم المليان إن السعودية تمتلك الأموال الطائلة، وعليها أن تدفع مقابل الحماية، والحماية في نظر "ترامب" علامة تجارية مزيفة، يستهلكها ترامب لحلب المليارات السعودية، لكنه لن يغامر في حرب دفاعية عنها، ولعل ضربة أرامكو خير دليل على ذلك، فترامب الذي يعلم يقينا أن تلك الضربة قادمة من إيران التي يهدد بشن حرب عليها منذ توليه مقاليد الحكم، إلا أنه لم يحرك ساكنا تجاه حماية السعودية، ولم يشن حربا على طهران، كما كان يتوقع السعوديون، بل على العكس من ذلك فقد أعلن أنه سيجري مباحثات مباشرة مع الحوثيين، الأمر الذي جعل ابن سلمان على يقين من أن مليارات الحماية ذهبت أدراج الرياح، وأن تهديدات ترامب لإيران لا تعدو كونها زوبعة في فنجان.
وأما الحليف القريب الآخر فهي الإمارات التي استطاع ولي عهدها محمد بن زايد أن يسيطر على السياسة السعودية بشكل كبير من أول يوم تولى فيها محمد بن سلمان ولاية العهد، ومن حينها أصبحت القرارات الصادرة عن القيادة السعودية سعودية في الشكل إماراتية في المضمون، ومع ذلك تركتها في ساعة العسرة وولت بوجهها قبل ملالي طهران، لتقدم لهم السعودية على طبق من ذهب، ولتمكنهم من رقاب السعوديين. والجميع يعلم حجم العداء التاريخي الذي يكنه آل نهيان لآل سعود.
تلك الهزيمة التي منيت بها أمام الحوثي، وتلك الخديعة التي تلقفتها من حلفائها كانت كفيلة بحمل السعودية على تلقف مبادرة الحوثيين كيفما كانت، حتى وإن كانت مذلة لكبريائها ومجحفة في حقها، فالمهم أن تخرج من ورطتها، وتحافظ على مابقي من ماء وجهها المتهتك دوما.
وبالتأكيد فإن الحوارات التي ستجريها السعودية مع الحوثيين لن يكون من ضمنها حضور للشرعية، فالحوثيون لن يقبلوا بذلك، كما أن السعودية لن تشرك الشرعية في مفاوضات ستقدم خلالها الشرعية كبش فداء للتوصل لحلول ترضي الطرفين: السعودية والحوثي، ولعل الإصرار السعودي على إنجاح المباحثات بين الشرعية والانتقالي والتي تجري اليوم في جدة إلا من قبيل رفع الحرج، والتخلص من "شلك" الشرعية، ليتسنى لها إبرام الاتفاقات مع الحوثيين وفقا لمصالحهما.
وثق الإحصاء السنوي للسجون الذي تجريه لجنة حماية الصحفيين وجود 11 صحفيًا سعوديًا في السجن بسبب عملهم اعتبارًا من 1 ديسمبر 2022.
يغرق اليمن وهو أصلًا أفقر دول شبه الجزيرة العربية، بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة.